في تأويل رؤيا الحج و العمرة و الكعبة و الحجر الأسود و المقام و زمزم و ما يتصل به و الأضاحي و القربانات
قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه: من رأى كأنه خارج إلى الحج في وقته فإن كان صرورة رزق الحج، و إن كان مريضا عوفي، و إن كان مديونا قضى دينه، و إن كان خائفا أمن، و إن كان معسرا يسر، و إن كان مسافرا سلم و إن كان تاجرا ربح، و إن كان معزولا ردت إليه الولاية و إن كان ضالا هدي، و إن كان مغموما فرج عنه، فإن رأى كأنه خارج إلى الحج ففاته، فإنه إن كان واليا عزل، و إن كان تاجرا خسر، و إن كان مسافرا قطع عليه الطريق، و إن كان صحيح مرض.
فإن رأى أنه حج أو أعتمر طال عمره، و استقام أمره. فإن رأى أنه طاف بالبيت ولاه بعض الأئمة أمرا شريفا، فإن رأى كأنه يلبي في الحرم، فإنه يظفر بعدوه، و يأمن خوف الغالب، فإن لبى خارج الحرم فإن بعض الناس يغلبه و يخيفه، و من رأى كأن الحج واجب عليه و لا يحج، دل على خيانته في أمانته، و على أنه غير شاكر لنعم الله تعالى.
و من رأى كأنه يوم عرفه، وصل رحمه، و يصالح من نازعه، و إن كان له غائب رجع إليه في أسر الأحوال، فإن الله تعالى جمع بين آدم و حواء في هذا اليوم و عرفها له.
فإن رأى أنه يصلي في الكعبة فإنه يتمكن من بعض الأشراف و الرؤساء، و ينال أمنا و خيرا. و من رأى كأنه أخذ من الكعبة شيئا، فإنه يصيب في الخليفة شيئا.
و الكعبة في الرؤيا خليفة أو أمير أو وزير، و سقوط حائط منها يدل على موت الخليفة. و رؤية الكعبة في المنام بشارة خير قدمه، أو نذارة من شر قد هم به، فإن رأى كأن الكعبة داره، فإنه لا يزال ذا خدم و سلطان و رفعة و صيت في الناس، إلا أن يرى الكعبة في هيئة رديئة، فذلك لا خير فيه. فإن رأى كأن داره الكعبة، فإن الإمام يقبل إذاً عليه و يكرمه، و قيل: من رأى أنه دخل الكعبة، فإنه يدخلها إن شاء الله، و قيل إنه يدخل على الخليفة. فإنه رأى أنه سرق من الكعبة رمانا، فإنه يأتي ذا محرم، فإن رأى أنه يصلي فوق الكعبة، فإن دينه يختل . فإن رأى أنه ولي ولاية بمكة، فإن الخليفة يقلده بعض أشغاله. فإن رأى أنه توجه نحو الكعبة صلح دينه، فإن رأى أنه أحدث في الكعبة دل على مصيبة تنال الخليفة. فإن رأى أنه مجاور بمكة، فإنه يرد إلى أرذل العمر، فإن رأى أنه بمكة مع الأموات يسألونه فإنه يموت شهيدا،
و حكي أن رجلا أتى ابن سيرين، فقال : رأيت كأني أصلي فوق الكعبة، فقال: اتق الله، فإني أراك خرجت عن الإسلام.
و رأى مهندس أنه دخل الحرم و صلى على سطح الكعبة، فقص رؤياه على معبر، فقال تنال أمناً و ولاية، و تجبي جباية من كل مكان، مع سوء المذهب، و مخالفة السنة، فكان كذلك.
و رأى رجل أنه تخطى الكعبة، ثم قصها على ابن سيرين، فقال : هذا رجل خالف سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و دخل في هوى، ألا ترى أنه يتخطى القبلة. فكان كذلك، لأنه دخل في الإباحة.
و من رأى كأنه مس الحجر الأسود، فقيل: أنه يقتدي بإمام من أهل الحجاز، فإن قلع الحجر الأسود و اتخذه لنفسه خاصة، فإنه ينفرد في الدين ببدعة، و من رأى كأنه وجد الحجر الأسود بعدما فقده الناس فوضعه في مكانه، فهذه رؤيا رجل يظن أنه على هدى، و سائر الناس على الضلالة.
و من شرب من ماء زمزم، فإنه يصيب خيرا، و ينال ما يريد من وجه بر.
فإن رأى أنه حضر المقام أو صلى نحوه، فإنه يقيم الشرائع و يحافظ عليه، و يرزق الحج و الأمن.
فإن رأى كأنه يخطب بالموسم و ليس بأهل الخطبة، و لا في بيته من هو من أهلها، فإن تأويلها يرجع إلى سميه أو نظيره أو يناله بعض البلاء، أو ينشر ذكره بالصلاح. و من رأى كأنه أحسن الخطبة و الصلاة و أتمها بالناس، و هم يستمعون لخطبته، فإنه يصير واليا مطاعا. فإن لم يتمها لم تتم ولايته و عزل. و من رأى من ليس بمسلم أنه يخطب، فإنه يسلم أو يموت عاجلا، فإن رأت إمرأة أنها تخطب و تذكر المواعظ، فهو قوة لقيمها، و إن كان كلامها في الخطبة غير الحكمة و المواعظ، فإنها تفتضح و تشتهر بما ينكر من فعل النساء. و أما المنبر فإنه سلطان العرب.
و المقام الكريم و جماعة الإسلام. فمن رأى أنه على منبر و هو يتكلم بكلام البر، فإنه إن كان أهلا أصاب رفعة و سلطانا، و إن لم يكن للمنبر أهلا اشتهر بالصلاح، ثم إن لم يكن للمنبر أهلا و رأى كأنه يتكلم عليه، أو يتكلم بالسوء، فإنه يدل على أنه يصلب، و المنبر قد شبه بالجذع، و إن رأى والٍ أو سلطان أنه على منبر، فانكسر أو صرع عنه، أو أنزل عنه قهرا فإنه يعزل و يدول ملكه إما بموت أو غيره، فإن لم يكن صاحب الرؤيا ذا ولاية و لا سلطان رجع تأويله إلى سميه أو إلى ذي سلطان من عشيرته.
و حكى أن رجلا أتي جعفر الصادق رضي الله عنه، فقال: رأيت كأني على منبر أخطب، فقال ما صناعتك؟ قال حمامي، فقال: يسعى بك إلى السلطان فتصلب، فكان كما عبره.
و قد روى أن النبي صلى الله عليه و سلم استيقظ من رقدته ثم تبسم و قال :" رأيت بني مروان يتعاقبون منبري " فكان كما رآه صلى الله عليه و سلم.
و أما الأضحية فبشارة بالفرج من جميع الهموم، و ظهور البركة، لقوله تعالى : (و بشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. و باركنا عليه و على إسحاق ) الصافات 112، 113.
فإن كانت امرأة صاحب الرؤيا حاملا، فإنها تلد ابنا صالحا. و من رأى أنه ضحى ببدنة أو بقرة أو كبش، فإنه يعتق رقابا.
و إن رأى أنه و هو عبد عتق. و إن كان صاحب الرؤيا أسيرا تخلص. و إن رآه مديون قضي دينه، أو فقير أثري، أو خاف أمن، أو صرورة حج، إن محارب نصر، أو مغموم فرج عنه، و من رأى كأنه يقسم في الناس لحم قربانه، خرج من همومه و نال عزا و شرفا، و من رأى كأنه سرق شيئا من القربان، فإنه يكذب على الله. و قال بعضهم: إن المريض إذا رأى أنه يضحي، دلت رؤياه على موته. و قال بعضهم: إنه ينال الشفاء.
و أما رؤية عيد الأضحى، فإنه عود سرور ماض و نجاة من الهلكة، لأن فكاك إسماعيل كان فيه من الذبح.