المجاهدة، الفاضلة ، الانصارية الخزرجية النجارية ، صاحبة المواقف التي لا يطيقها كثير من الرجال . وهي من عائلة مؤمنة ، كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين ،
واخوها عبد الرحمن من البكائين من خشية الله.
كان اسلام نسيبة مبكراً، شهدت بيعة العقبة الثانية بعد الاولى واستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته، تزوجت من زيد بن عاصم بن عمرو ولها منه ولدان هما عبدالله وحبيب، ولها من زوجها الثاني غزية بن عمرو ولدان هما تميم وخولة، ربت أولادها على حب الله ورسوله، وعلى الدفاع عن الاسلام ورسوله، شهدت معركة أحد وابلت بلاءً حسناً حيث هرب الناس من حول رسول الله ولم يبقى معه الا نفر لا يزيدون عن العشرة، وانكشف رسول الله امام اعدائه، وبقيت نسيبة وزوجها غزية وولداها تذب عن رسول الله والناس يمرون منهزمين، وكانت تقاتل بالسيف وليس في يدها ترس تحمي به نفسها، فيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يركض هارباً وبيده ترس، فقال له رسول الله القي ترسك لمن يقاتل فالقاه، فقالت نسيبة، فأخذت الترس فجعلت أترُس به عن رسول الله، وقد فعل بنا الخيالة الافاعيل. ولو كانت معنا خيل لما نال منا احد من اعداء الله، وكنت اضرب عراقيل الخيل، فيسقط عنها الرجال، وكنت اعلوهم بالسيف، وجاء فارس من خلفي سريعاً يريد قتلي فنادى رسول الله ولدي ويقول يا ابن ام عمارة امك امك، فاستقبله ولدي فعاونني عليه أوردته حتى الموت، وقد جرح ولدي وكان الدم ينزف منه فاتت امي ومعها عصائب كانت تعصب بها الجرحى، فربطت جرحي وهي تقول لا عليك مانلاقيه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، انهض يا بني فقمت كانني لم اصب، واذا بالذي ضربني،يمر، فقال رسول الله يا ام عمارة هذا ضارب ولدك. فقامت اليه امي فاعترضت له فرضبت ساقه فبرك، ثم علت هامته بالسيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحمد الله الذي نصرك عليه
وبقيت ام عمارة تزود عن رسول الله، وقد اصيبت بعدة جراح، وكانت قد اصيبت بجرح بليغ وأخذ الدم ينزف من عاتقها، فنادى رسول الله ولدها عبدالله قائلاً: يا عبدالله اعصب جرح امك، وأخذ رسول الله يقول: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ، وأخذت ام عمارة تقول: وماذا عليّ ما أصابني من الدنيا ، فقال رسول الله : من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟!
وانكشفت المعركة ونجا رسول الله بعد هذا الموقف الشجاع من ام عمارة، وليست هذه هي الواقعة الاولى لام عمارة، فقد شهدت يوم الحديبية، يوم حنين، ويوم اليمامة وكانت في كل هذه المواقف تظهر بسالة منقطعة النظير، ولا غرابه ان تكون نسيبة بهذا الجلد، وهي التي تعودت حياة الصحراء القاسية، وزودها ايمانها بالله ورسوله قوة على قوة وبسالة على بسالة
ورب قائل يقول: وهل المرأة مطلوب منها الجهاد ومقارعة الاعداء؟
لم تكن المرأة مطالبة بعدم المشاركة في صنع الحياة في الاسلام، ولكنها تقوم بالدور المناط بها بحسب الأوضاع العامة للأمة، فعندما يقع الخطر العام يصبح الجهاد فرض عين على الذكر والأنثى، وعندما يحتاج الموقف لقتال المرأة فيجب عليها المشاركة في ميدان القتال إما بمداواة المرضى، ونقل المؤمن وإما بالأمور الأدارية والتموينية، وفي كل مجال تستطيع فيه المرأة اعزاز امتها وتنمية حياة الاجيال .
إن المرأة اليوم تشارك بالجندية، وقيادة الطائرات الحربية، وادارة شؤون المقاتلين من الناحية الطبية والأستخبارية، والاسلام لم يحرم المرأة من شرف الدفاع عن جهاض الأوطان، وبناء الأجيال، فقد هاجرت المرأة، وجاهدت وطببت، وحملت السلاح في عهد رسول الله دفاعا عن الحق و نصرة المظلوم .
كانت المرأة جندية، وطبيبة، وفلكية، وفارسة، ومستشارة وقاضية ومعلمة، ومحدثة .... ولكن للأسف ونحن نقرأ سيرة أم عمارة ، ننظر للمرأةنظرة دونية،فهي للمتعة وللفراش، والأغراء ، والدعاية ، وكشف المفاتن، ولا يعرفون ان الاسلام، جعل العمل الصالح ـ اي عمل ـ تقوم به المرأة في نماء المجتمع وتطوره، هو من صلب تعاليم الاسلام واحكامه العظيمة
واذا كانت المرأة اليوم، تطالب بحقها، فنقول لكل اللواتي يطالبن بذلك ان الاسلام جعل المرأة في اعلى مراتب التكريم، ولكنه لا يرضى ان تكون المرأة مستباحة الحمى، ومحطاً للشهوات الساقطة، ولكنه يريدها عالمة ، عابدة ،سائحة، مجاهدة، قوامة،صوامة، تعرف الرجال الشرف عندما تكون شريفة .
هذه نسيبة بنت كعب ( أم عمارة) تقطع يدها يوم معركة اليمامة، وعادت وفي جسدها احدى عشرة جرحا''، وقدمت المدينة المنورة وبها جراحها وهي تقول: وماذا فاتني من الدنيا اذا كنت مع رسول الله في جنات النعيم !!
أية نفوس هذه وأية نساء ؟ ان المجد لايوهب ، والكرامة لاتباع، وعزة الأوطان، وحرية الحياة لايصنعها الا الحرات والأحرار من الرجال والنساء .
اما ابنها حبيب بن زيد بن عاصم، فقد قطعت يده على يد مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، واستشهد ولدها عبدالله بن زيد يوم الحرة وهو الذي قتل سليمة الكذاب بسيفه.
نسيبة بنت كعب من بيت مؤمن مجاهد اخوتها وزوجها وابنائها جميعاً سطروا انصع الصفحات في الدفاع عن عقيدة الأسلام ورسوله، ويكفي ام عمارة فخراً ان رسول الله قال لها: يا ام عمارة، انت عندالله خير من فلان وفلان رجال من الصحابة سماهم.وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكته ام عمارة وهي تقول: كل معيبة دونك هينة يا رسول الله، اللهم حقق دعاء رسولك ان نكون معه في الجنة .
وتولى ابو بكر رضي الله عنه الخلافة، وكان يأتيها ويسأل عنها ويبرها، وفي عهد عمر بن الخطاب، كانت ام عمارة على قيد الحياة، وكان عمر عمر رضي اللع عنه يصل ام عمارة ويعرف قدرها، فقد جائته ثياب فيها ثوب جيد جداً، فقال هذا ثوب ام عمارة لا يستحقه سواها .
لقد عاشت نسيبة في حياة رسول الله، وشهدت كل ما تعرض له الاسلام والمسلمين في عهد رسول الله وخليفتيه ابو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم تذكر المصادر كم كان سنها عندما اسلمت. ولا حينما قاتلت، ولم يذكروا وفاتها، ولكنها دفنت بالبقيع، بعد ان تركت اعطر سيرة، واعظم جهاد، لم تبالي من الدنيا ما أصابها ولا ما فاتها، ولكن همها الأكبر ان تلقى الله وقد ادت رسالتها في الحياة، فنعمت حياة نسيبة، ونعمت عاقبتها، ففي الدنيا، فاضلة مجاهدة وفي الأخرى مع رسول الله في المقام المحمود.