من حوار الياسمينة والعصفور (17)

هو وقت النوم. يترجّل العصفور الفارس عن صهوة سفره المتواصل. يستسلم الى إغفاءة قصيرة تمرّ خلالها، وتمضي، نسمةٌ تلامس عينيه المغمضتين على حلم عمره عشرة أجيال. يواصل الفارس حلمه. تكمل النسمة طريقها. وفي لحظة اشتياق، يستسلم الشتاء الى عاصفة ثلجية فتحترق المواسم على حدود طريق لا نهاية لها.

- ممنوعٌ عليكِ ألاَّ تُشرقي. ممنوع عليكِ الصمت الاختياري. قولي شيئاً. أكاد أختنق.

· دعني ألملم أشلاء عمري التي تناثرت في فضاء سفركَ الدّائم.

- أتدركين معنى ذلك؟ إنها رائحة النهاية. رائحة الموت النهائي، موت الكلمة والإحساس.

· ماتت الكلمة يوم قلتُها ولم يصلني صداها. ضاعت في الوديان، بين الجبال، تبحث عن تردادها.

- ألم تسمعيني؟ جئتكِ مسرعاً أسابق الضوء لأصل قبل الفجر. احتجّت الغيوم والنسمات على تبشيركِ بالشتاء.

· منذ رحيلكَ الأخير أَعلَن الشتاء عن نفسه، وأنا اعتمدت الصّمت.

- حتى الشتاء سيلومكِ على صمتك. ألا تعرفين أن أكثر الليالي دفئاً هي ليالي الشتاء؟

· بل هي ليالٍ باردة تخترع حكايات دفء لينسى العراة من المحبة عري نفوسهم.

- حتى الأعاصير ستتجمّد عند صقيع صمتك الكاسر. حتى الفجر، صديقك، وجهك، سيُكتَبُ عليه اللوم بدون إطلالتك.

· أعرف. ستضيع النسمة عند هبوب العاصفة. لا مكان لنسمة فجر في زمن العواصف.

- إن عرفتِني لن تتخلَّي عني. أنا لم أجرح يوماً كلمة من كلماتك. لم ألمس بتلة من بتلاتك بغير الشمّ والذوبان في أريجك. لن تتركيني. لن تصمتي.

· ألم تلحظ بعد أنني تُوِّجتُ ملكة في برج الصمت العالي؟ وحاشيتي سرّحتُها لأنها تعشق الضجيج، وبقيت مع ذكرياتي سجينة الأبراج المرتفعة حتى حدود السماء.

- بل أراكِ ملكة متوّجة على كل ثانية من عمري. أراك أميرة العمر الذي طال فيه زمن الفقر من الصدق والوفاء. تخافين الرحيل. لن تتركيني.

· أخاف الرحيل؟! كم معك حق وكم أنا أخافه. ولكن بالنوم أنتصر. أغمض عينَيّ عن كلّ ما ومن حولي، وأهرب إلى النوم. وحده يكسر خوفي من الرحيل وينسيني إياه.

- وهل تنامين العمر بطوله؟؟

· وهل بقي من العمر ما يغريني لأستيقظ؟؟؟

- كسرتِ قلبي. أحبّكِ. عودي إليّ.

· كسرتَ صمودي وصمتي، يمكنكَ الغياب قدرَ ما تشاء، سأعلن انتصار انتظاري إيّاك، وأبدأه من جديد.

تسلم ايدك
شكــــــــــــــــــــــــــــرا

اسعدني مرورك يا لواء

» من حوار الياسمينة والعصفور (8)
» من حوار الياسمينة والعصفور (9)
» من حوار الياسمينة والعصفور (10)
» من حوار الياسمينة والعصفور (11)
» من حوار الياسمينة والعصفور (12)