السؤال:
أريد نصيحة منكم، هل الموسيقى والفرح غير مُحرم
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كان الفرح خاليا عن المحاذير الشرعية: كالموسيقى، وكشف العورات، واختلاط الرجال بالنساء أو التصوير، بحيث تكون النساء مع بعضهنَّ والرجال كذلك، فلا بأس به؛ لأنه من جُملة المُباحات، ولأنه يستحب إعلان النكاح والضرب بالدف؛ لِمَا روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام، الدُف والصوت في النكاح" (رواه النسائي).
وكذلك لا بأس بالإنشاد والغزل الغير مصحوب بالمعازف؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟"؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الأنصار قومٌ فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول للأنصار:
أتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُم
وَلَوْلاَ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ مَا حَلَّت بِوَادِيكُم
وَلَوْلاَ الحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُم
"
وكما لا حرج على المرأة من لبس فستان الزفاف، بشرط ألا تظهر به أمام الرجال الأجانب عنها، أما إن كانت الفرح مُشتملاً على أحد المحاذير الشرعية السابقة، فلا شك أنه مُحرم في تلك الحالة.
وأما حُرمة الغناء والمعازف فثابتة بالكتاب والسُنة، والإجماع أما الكتاب فمنه قوله تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشترِي لَهْوَ الحديثِ ليُضِلَ عَنْ سَبيل الله بِغيرِ عِلم} نقل الإمام الطبري في (تفسيره) عن عبد الله بن مسعود: "الغناء والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات"، وروى عن ابن عباس قال: هو الغناء ونحوه، ونقله عن جابر بن عبد الله ومجاهد وعن خلق كثير.
وأما السُنة فمنها: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليَكونَّن مِن أمتي أقوامٌ يستحلون، والحِر، والحرير، والخمر، والمَعازف" (أخرجه البخاري) تعليقاً بصيغة الجزم، فهو صحيح، ووصله (أبو داود وابن حبان وغيرهما)، ولفظ "المعازف" عام يشمل جميع آلات اللهو، وقوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون": أي يجعلونها حلالاً بعد أن كانت حرامًا، وهو نصٌّ في تحريم المعازف.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورَنَّة عند مصيبة" (رواه البزار والضياء) عن أنس.
أما الإجماع على تحريم استماع المعازف "فحكاه القرطبي"، و"أبو الطيب الطبري"، و"ابن الصلاح"، و"ابن رجب الحنبلي"، و"ابن القيم"، و"ابن حجر الهيتمي"، وغيرهم.
قال الإمام أبو العباس القرطبي: "أما المزامير فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممَّن يُعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف مَن يبيح ذلك، وكيف لا يُحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمُجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه "، وعدَّها ابن حجر الهتيمي من الكبائر في كتابه (الزواجر).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السُنة النبوية) -رداً على ابن مطهر الشيعي في نسبته إلى أهل السنة إباحة الملاهي- قال: "هذا من الكذب على الأئمة الأربعة، فإنهم مُتَّفِقُون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، كالعود ونحوه، ولو أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ عندهم لم يَضْمَن صورة التالف، بل يحرم عندهم اتخاذها". اهـ
وقال ابن الصلاح في (الفتاوى): "وأما إباحة هذا السماع وتحليله، فليُعْلَم أنَّ الدُّف والشبابة والغِنَاء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يُعْتَدُّ بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع. إلى أن قال: فإذا هذا السماع غير مُبَاحٍ بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين". اهـ
فعليك أن تنصح زوجتك -بلطف وهدوء- وأن تبين لها ما ذكرنا من حُرمة الغناء، وأنه يجب عليكما بناء بيت مسلم على أسس إسلامية، وعلى هدي القرآن والسنة، ولن يتأتَّى ذلك إلا بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، وقد تكفل الله لأهل طاعته بالسعادة والطمأنينة؛ قال سبحانه: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحيينه حياة طيبة} [النحل:97]، وغض الطرف عما حرم الله والقناعة بما أحله الله من الحلال.
وقد عدد ابن القيِّم رحمه الله في كتابه (إغاثة اللَّهفان) أضرار الغناء حيث قال: "وذلك لما يجلبه على النفس من التعلُّق بغير ذِكْر الله، والصَّدِّ عن القرآن، والإعراض عن سماعه؛ لأنَّه لا يجد فيه لذَّةً ولا متعةً، بخلاف حاله مع مزمار الشيطان، فكم وجدنا من أناسٍ يردِّدون الأغاني ويخشعون لها أعظم من تردادهم لذِكْر الله أو خشوعهم بسماع القرآن، فيضعف إيمانهم؛ لأنه لا يجتمع في قلب إنسانٍ مزمار الشَّيطان وكلام الرَّحمن، فلابدَّ أن يطرد أحدهما الآخَر".
وقال: "إنك لا تجد أحدًا عُنيَ بالغناء وسماع آلاته - إلاَّ وفيه ضلالٌ عن طريق الهُدى علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عَرَضَ له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثَقُلَ عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسْكِت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نَوْبَتَه، وأقلّ ما في هذا: أنْ يناله نصيبٌ وافرٌ من هذا الذمِّ -إن لم يَحْظَ به جميعه- والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياةٍ يحسُّ بها فأمَّا مَنْ مات قلبه وعَظُمَتْ فتنته؛ فقد سَدَّ على نفسه طريق النَّصيحة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ المائدة: 41]" انتهى.
وقال رحمه الله: " إن للغناء خواصَّ لها تأثيرٌ في صَبْغ القلب بالنِّفاق، ونَباتَه فيه كنَبات الزَّرع بالماء. فمن خواصِّه: أنه يُلهي القلب، ويصدَّه عن فَهْم القرآن وتدبُّره، والعمل بما فيه، فإنَّ الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدًا لما بينهما من التَّضادِّ، فإنَّ القرآن ينهى عن اتِّباع الهوى، ويأمر بالعفَّة، ومُجانَبة شهوات النُّفوس، وأسباب الغيِّ، وينهى عن اتِّباع خطوات الشَّيطان، والغناء يأمر بضدِّ ذلك كلِّه، ويحسِّنه، ويهيِّج النفوس إلى شهوات الغيِّ؛ فيثير كامِنها، ويزعج قاطنها، ويحرِّكها إلى كلِّ قبيح، ويسوقها إلى وصْل كلِّ مليحةٍ ومليح، فهو والخمر رضيعا لَبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رِهانٍ". اهـ، وانظر تمام البحث في: (إغاثة اللَّهفان من مصايد الشيطان) لابن القيِّم.