في عام 1999 جاء بشار الأسد إلى السعودية، وأقام له في حينها الأمير عبد العزيز بن فهد حفلا خاصا على شاطئ البحر بحديقة قصر السلام، دعا إليه عددا من الصحافيين، وقد تشرفت بأن أكون أحدهم، وكان ذلك في حياة والده حافظ الأسد.. يومها كان الشاب بشار الأسد يتحدث عن تكنولوجيا المعلومات، وأهميتها، وعن تحديث التعليم في عالمنا العربي، وكان الحديث السياسي الغائب الوحيد في تلك الأمسية..
ولم يمض عام على تلك الزيارة حتى غدا بشار رئيسا لسوريا بعد وفاة والده، وكان حديثه في تلك الليلة عن التحديث، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، ما جعلني أتطلع إلى منحى أكثر حداثة يمكن أن تعيشه سوريا في عهد بشار. لكن يبدو أن السياسة بملفاتها الساخنة لم تسمح للرئيس بأن يبدأ مشواره على نار هادئة، فعلى الضفة اللبنانية تنامت حركة الرفض للوجود السوري هناك لدى شريحة من اللبنانيين، وبلغت أوج حدتها عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعلى الجهة الأخرى من الحدود مع العراق غدت أمريكا بعدتها وعتادها وتبايناتها مع النظام السوري على بعد أميال من التخوم السورية، وإذا ما أضفنا الوجود الإسرائيلي على الناحية الثالثة من الحدود، فإننا سندرك حجم الدوامة الذي وجد الرئيس الشاب نفسه يمتطي صهوتها..
في حياة والده الراحل حافظ الأسد كانت العلاقات السورية السعودية المصرية تلعب ـ كما يصفها بشار ـ الدور الأساسي في الديناميكية السياسية العربية، وظلت هذه العلاقة مستمرة حتى بعد قدوم بشار، لكنها ـ أي العلاقة ـ مرت بمراحل حرجة أو بغيمة ـ كما أطلق عليها الرئيس بشار في حواره المنشور بصحيفة «الجزيرة» السعودية، عدد الاثنين الماضي ـ وأنه قد تم تجاوزها.. وبصرف النظر عن المتسبب في صناعة هذه الغيمة، فإن عزم الأسد المسبق والمعلن ـ كما ورد في الحوار ـ على التنسيق مع السعودية خلال قمة الرياض في القضايا الكبرى، وهي العراق، ولبنان، وفلسطين، وعملية السلام، وكيفية تعزيز اتفاق مكة المكرمة، أخالها تشكل نقاط التقاء قادرة ـ إذا ما خلصت النية وسادت الواقعية ـ على تبديد مختلف الغيوم، بل إطفاء بعض الحرائق العربية، ولتعود سوريا إلى سربها العربي فتواصل مع أشقائها السعودية ومصر وبقية الدول العربية ممارسة الدور المشترك في الحراك السياسي العربي.
وباختصار: إنني أخال هذه القمة العربية التي تحتضنها الرياض، والتي تعقد في سياقات زمنية تتسم بالصعوبة، ستجد من سمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القيادية بصراحته، وأهليته للثقة، وميله إلى الحسم، عونا على إنجاز أغراضها، إذا ما استشعر الجميع حساسية هذه المرحلة المصيرية الحاسمة في تاريخ هذه الأمة.. فخلف فشل هذه القمة قد يكمن الطوفان.
منوعات